قبل التخرج من الجامعة تنقسم حياتنا إلى قسمين أو فصلين: فصل طويل جدًا لا ينتهي هو المذاكرة والامتحانات والمحاضرات، وفصل قصير ينتهي بلمح البصر ولا نشعر به أبدًا هو العطلة الصيفية.
منذ سنوات عديدة كانت العطلة الصيفية طويلة جدًا وتستمر لأربعة شهور كاملة ونصف أحيانًا ثم شيئًا فشيئًا بدأت الامتحانات تتمدد وتأكل من العطلة، وصارت الجامعة عبارة عن ثلاثة فصول منها فصل صيفي، ولم تعد العطلة كافية ليستوعب الطالب أنّه انتهى من كارثة الامتحانات وصار حُرًا لفترة قصيرة، فتذهب بشكل سريع دون أن يعي أنّها بدأت أصلًا.
في عمرٍ صغير يتولى الأهل مهمة التخطيط للعطلة الصيفية وما علينا القيام به، ويقومون نيابة عنا بالتسجيل بالكثير من الدورات والنشاطات والأندية لملء أوقات الفراغ، لاحقًا عندما نكبر تتحول هذه المسوؤلية إلينا ويصبح علينا التخطيط لأنشطتنا المفضلة وهواياتنا المحببة وما نرغب بتعمله، ويصبح من مسؤوليتنا أن نستغل هذه العطلة أفضل استغلال ولا نتركها تمر دون أن نخرج منها بفوائد وإنجازات فهي عُطلة ولكن ليست عَطَلة، فهي فرصة عظيمة للكثير من الإنجازات والأعمال وتطوير المهارات وممارسة الهوايات …
تكمن المشكلة في كوننا لا نجيد التخطيط لهذه العطلة، فتأتي وتذهب كما كنا دون أي تغيير أو تطوير أو تحسين، ونعود إلى الدراسة دون أي تقدم يمكن أن يفيدنا في حياتنا الدراسية والعملية وحتى الحياة العامة، يعود السبب إلى مجموعة من الأخطاء الكارثية التي لا نعي نتيجتها في الوقت نفسه، ولكن نجدها لاحقًا حين لا ينفع الندم.
1- نوم كثير ونظام حياة غير منظم
نعاني خلال فترة الامتحانات من قلة النوم، ونتطلع إلى العطلة كي نستطيع السهر كما نشاء والنوم حتى الظهيرة، ونجد أنّ نظامنا قد انقلب رأسًا على عقب وتحول الليل إلى نهار والنهار إلى ليل، ولم نعد قادرين على التحكم في حياتنا كما يجب، ولم نعد قادرين على فعل أي شيء آخر سوى السهر على الهاتف ووسائل التواصل والإنترنت، والنوم خلال النهار حتى نصاب بالخمول.
2- هجر الكتب نهائيًا
في مشهد مؤلم أراه دائمًا بعد انتهاء العام الدراسي، الكتب ممزقة ومرمية في الشوارع وكأنّ انتهاء الدراسة يسمح للطلاب بإهانة الكتب بهذه الطريقة، فهي مهما كانت تبقى كتبًا لها قدسيتها وتحمل معلومات متنوعة وكثيرة، ولا يصدق الطلاب انتهاء الدراسة حتى يهجرون الكتب نهائيًا ويتركون القراءة وأي شيء يتعلق به، والحقيقة أنّ كتب المدرسة والجامعة لا تفيد بأكثر من الشهادة التي تعطيك إياها، لكن العلم الحقيقي يأتي من الكتب والقراءة والخبرة الحياتية معًا.
3- الفراغ الكامل
العطلة لا تعني نومًا دائمًا وإضاعة كاملة للوقت، تنتهي الامتحانات وتقضي العطلة في نوم ومتابعة التلفاز والمحادثات على الإنترنت، والخروج مع الأصدقاء للنزهات ثم تنتهي دون أي فائدة تحصلها منها، أو إنجاز يضيف إلى حياتك، ولا تعني انشغالًا طويلًا ومخططات أبدية لا تنتهي … التوازن هو ما عليك تعلم فعله خلال العطلة.
4- خطط كثيرة وتنفيذ قليل
غالبًا من يضع الكثير من الخطط للعطلة الصيفية والعشرات من الأفكار للتنفيذ، ثم لا يقوم بشيء منها هو نفسه من يضع برامج كثيرة للمذاكرة فيها الكثير من الضغط في الوقت وفي الكمية، ثم لا يلتزم بهذا البرنامج ويجد نفسه يغيره عشرات المرات ثم لا ينفذ منها أي شيء ولا يتقدم في دروسه قيد أنملة، ويصل إلى الامتحان دون أن ينهي ما عليه من المواد.
اعرف قدراتك والوقت المتاح لك وخصص جزءًا منه لما تريد فعله، وخطط حسب استطاعتك ووقتك وما تحب، العطلة فرصة لفعل ما تحب من الأعمال وليس كي تضغط على نفسك من جديد وتعيش في توتر دائم.
5- العشوائية في التخطيط
تطوع، دورات في الحاسوب واللغات، عمل بسيط، قراءة، نزهات، انتساب لكل مكان تجد فيه فرصة بغض النظر عن أهميته بالنسبة لك أو مدى الفائدة التي يقدمها لك … ماذا بعد كل هذا؟
طرق كثيرة عشوائية وخبرات كثيرة قد تكون متضاربة ومختلفة الفوائد والمجالات تعيشها، ثم تجد نفسك في النهاية تائهًا، متعبًا، غير قادر على معرفة ما تحب وما تريد …
قبل أن تخوض في أي مجال فكر في الشيء الذي سيقدمه لك، وقبل أن تتعلم أي شيء وتصرف وقتك ومالك عليه تعرّف على النتيجة التي ستحصل عليها منه، وإن كانت ستخدم أهدافك الكبرى وإن كانت ستعود عليك بفائدة عملية أو مهنية أو اجتماعية أو حتى مادية … فإن لم تحمل أي فائدة من هذه التي ذكرتها فلا تقم بها، وابحث عن غيرها لتملأ به وقتك وتستفيد منه.